الكرسي الرسولي: الأمن والسلام العالميان يتحققان بواسطة تعزيز ثقافة الحوار والتعاون لا من خلال سباق التسلح

تستضيف مدينة جنيف السويسرية من الثالث عشر وحتى السابع عشر من كانون الأول ديسمبر الجاري مؤتمرا دوليا لإعادة النظر في « اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بشأن أسلحة تقليدية معينة » CCW، ومن بين المشاركين في الأعمال المونسينيور جون بوتسر، القائم بالأعمال في بعثة الكرسي الرسولي الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف، الذي حث المؤتمرين على مواصلة الجهود من أجل التوصل إلى نزع السلاح بصورة كاملة، في وقت أكد فيه الأب ريناتو ساكّو من هيئة « باكس كريستي » أنه إذا سدت مصالح « لوبيات » السلاح سيدفع الفقراء الثمن الأكبر.

في كلمة ألقاها أمام المشاركين في أعمال المؤتمر الدولي أكد المونسينيور بوتسر أنه من غير المقبول أن ترتفع النفقات على التسلح، التي تحدّ من الموارد اللازمة لمكافحة الفقر وانعدام المساواة والظلم ولدعم قطاعي التعليم والصحة، خصوصا إزاء جائحة كوفيد ١٩ الراهنة، وخطورة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، والنتائج السلبية لظاهرة التبدل المناخي. وتساءل سيادته في هذا السياق: كم من الأشخاص ينبغي أن يتعرضوا للقتل والإصابات والإعاقات قبل أن يرفع العالم صوته ليدين بعض التصرفات العسكرية التي لا يمكن القبول بها؟ ولفت إلى موقف الكرسي الرسولي الذي يؤكد أن نزع السلاح والتنمية والسلام هي مسائل ثلاث مترابطة فيما بينها. وقال إن ربط مفهوم الأمن القومي بتخزين السلاح هو منطق مزيف، موضحا أن الأمن والسلام العالميين يمكن أن يتحققا من خلال تعزيز ثقافة الحوار والتعاون، ومن خلال التربية على السلام، لا بواسطة سباق التسلح، خصوصا وأن المدنيين العزل يدفعون الثمن الأكبر لتلك الممارسات.

هذا ثم أشار الدبلوماسي الفاتيكاني إلى أن الكرسي الرسولي يعرب عن قلقه البالغ على أمن السكان المحليين، على الصعيدين الوطني والإقليمي، بسبب مخلفات الحروب، والاتجار غير المشروع بالأسلحة الخفيفة ومن العيار الخفيف، فضلا عن الأسحلة المتفجرة التي لم تعد « تقليدية » كما كانت في السابق، ناهيك عن الاستخدام الشائع لأسلحة الدمار الشامل التي تُلحق أضرارا فادحة بالمدن والمدارس والمستشفيات ودور العبادة والبنى التحتية. وحثّ سيادته – في ختام مداخلته – جميع الدول على متابعة جهودها في هذا المجال بغية الإسهام في تحقيق تقدّم على صعيد نزع الأسلحة بشكل كامل، وذلك تحت إشراف دولي صارم، كما جاء في توطئة الاتفاقية الأممية المذكورة.

مما لا شك فيه أن البابا فرنسيس معروف بمواقفه ونداءاته وكتاباته العديدة التي تدعو إلى التخلي عن لغة السلاح والعنف، واعتماد لغة الحوار وتعزيز ثقافة التلاقي بين البشر. ففي رسالته العامة الأخيرة Fratelli Tutti، كتب الحبر الأعظم أن « الحرب هي فشلُ السياسة والبشرية، إنها استسلام مخزٍ، وهزيمة في وجه قوى الشر ». وقد كرر هذه العبارات في مناسبات عدة ليقول إن الحرب لا تحقق أي منفعة، والأسلحة ليست الحل، وكان آخر هذه النداءات ما قاله في أعقاب تلاوة صلاة التبشير الملائكي يوم الأحد الفائت. هذا وما تزال الأرقام والإحصاءات تقدّم صورة قاتمة عن هذا الوضع، إذ تُبيّن أن حجم النفقات العسكرية ارتفع بضعفين منذ العام ٢٠٠٠ ولغاية اليوم، إذ وصلت إلى ألفي مليار دولار أمريكي سنويا. كما أن معدل تصنيع الأسلحة سجل ارتفاعا هذه السنة قياسا مع السنة الماضية، على الرغم من الجائحة والأزمة الاقتصادية التي تسببت بها.

للمناسبة أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع المنسق الوطني في هيئة « باكس كريستي » إيطاليا الأب ريناتو ساكّو الذي أكد أن البابا يذكرنا دائماً بأن الأسلحة ليست الدرب الواجب سلوكها نظرا لخطر الدخول في منطق أن السلاح يوفّر الأمن، لافتا إلى أن فرنسيس يقول لنا إن هذا المنطق خاطئ. وتوقف ساكّو عند التوقعات في إيطاليا التي تشير إلى أن النفقات العسكرية سترتفع خلال العام ٢٠٢٢ بنسبة ثلاثة بالمائة مقارنة مع العام الجاري، وخلال ثلاث سنوات ستصل هذه النسبة إلى عشرين بالمائة. وأضاف أن هذا يعني أنه على الرغم من الجائحة والمآسي، ما تزال مصالح قلة من الأقوياء تطغى على مصالح عامة الناس.

بعدها أشار المنسق الوطني في « باكس كريستي » إيطاليا إلى أنه يوجد اليوم في العالم أكثر من ثلاثمائة وستين صراعاً مسلحاً، فضلا عن اثنتين وعشرين حرباً عالية الوتيرة، ومن بينها حروب منسية، تحركها المصالح المرتبطة بالأسلحة، وبالموارد الرئيسة كالنفط والغاز والمياه. وحذّر الأب ساكو من مغبة أن يطغى منطق المصالح لافتا إلى أن هذا الأمر يحقق أرباحا كبيرة لـ »لوبيات » السلاح، ومن سيدفعون الثمن الأكبر هم دائما الفقراء.

في ختام حديثه لموقعنا الإلكتروني ذكّر الأب ريناتو ساكو بأنه في الثاني والعشرين من كانون الثاني يناير المقبل سيتم الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لدخول المعاهدة ضد الأسلحة النووية حيز التنفيذ والتي وقع عليها خمسون بلدا لغاية اليوم، وهذه البلدان هي من الأصغر في العالم، وليست القوى العظمى. وأكد أن هذا الاحتفال يشكل بحد ذاته بصيص أمل، إذ إنه يذكرنا بأن هذه الدول حاضرة على الرغم من كونها صغيرة.

16 Déc 2021 | Société

Print Friendly, PDF & Email

Église Catholique d'Algérie