أيام قليلة تفصلنا عن زيارة البابا فرنسيس التاريخية إلى العراق. وفي وقت يتطلع فيه العراقيون وسكان الشرق الأوسط، لاسيما المسيحيين منهم، إلى هذه الزيارة أجرت صحيفة Corriere della Sera الإيطالية مقابلة مع بطريرك بابل للكلدان الكاردينال لويس روفائيل ساكو، الذي قال: إننا ننتظر حدثا من هذا النوع منذ عقود، لافتا إلى الحاجة الملحة لهذه الزيارة بعد سنوات الظلام التي عاشتها البلاد وأكد أن زيارة البابا هي علامة رجاء لا للعراق وحسب إنما لمنطقة الشرق الأوسط ككل.
توقف غبطته في بداية المقابلة عند الأوضاع الصعبة التي يعيشها العراق منذ عقود. أولا مع الحرب التي أطلقها الرئيس صدام حسين، ثم الحظر الدولي، فالنتائج المأساوية للغزو الأمريكي في العام 2003، وبعدها الإرهاب والطائفية والفساد وانهيار الدولة المركزية، من ثم داعش والفقر والقتل والميليشيات التي تحمل طابعاً دينياً. ومن هذا المنطلق – مضى يقول – تكتسب رسالة الأخوة والسلام التي سيحملها البابا أهمية قصوى، إذ سيقول إن الدين لا يفرّق، بل على العكس ينبغي أن يوحّد الناس ويساعدهم على تبني لغة مشتركة في التعامل مع الله والإيمان. كما لا بد أن يوضع حدّ للانحطاط الراهن. هذا ثم أكد البطريرك ساكو أنه في العراق كما في باقي مناطق الشرق الأوسط، يتم استغلال الدين لغايات سياسية. إذ يُمارَس القتل باسم الله. وهنا تكمن أهمية نداءات البابا التي تبدّل هذا المنظور تماماً. وها هو البابا سيزور العراق ليقول لنا إننا جميعا أخوة وأبناءٌ لله. في رد على سؤال بشأن أهمية الزيارة التي سيقوم بها البابا إلى « أور »، أرض ابراهيم، اعتبر ساكو أن هذه الخطوة تعكس الدعوة إلى الأخوّة، لافتا إلى أن ابراهيم هو أب جميع المؤمنين: اليهود والمسيحيين والمسلمين. أوضح في هذا الإطار أن تنظيم داعش قام بعزل بعض الآيات القرآنية التي تدعو إلى القتال واستخدمها خارج سياقها. من هنا لا بد من العودة إلى المعنى الأصلي للنصوص الدينية التي تدعو إلى التناغم والمحبة. وهكذا تصير « أور » نقطة انطلاق الحوار بين الأديان. وفيها سيتلقي البابا مسؤولين سنة وأيزيديين ومن أتباع الديانات الأخرى. في سياق حديثه عن اللقاء المرتقب بين البابا والمرجع الشيعي آية الله علي السيستاني، قال بطريرك بابل للكلدان إنه من المرتقب أن يُعقد لقاء خاص بينهما، لافتا إلى أن السيستاني رجل حكيم وسيتفاهم مع فرنسيس. وأوضح غبطته أن البابا سبق أن تحاور مع العالم السني خلال الزيارة التي قام بها إلى جامعة الأزهر في القاهرة. وقد آن الأوان ليفعل الشيء نفسه مع أحد أكبر القادة الشيعة، مذكرا بأن القسم الأكبر من العراقيين ينتمي إلى الطائفة الشيعية. لم تخلُ كلمة غبطته من الحديث عن الاضطهاد الذي عانى منه المسيحيون في العراق بداية مع الغزو الأمريكي عام 2003 ومع تفتت الجيش، فتمكن المتطرفون من بسط نفوذهم. ودخلت البلاد في حالة من الفوضى. ولفت إلى أنه خلال السنوات العشر التالية للغزو الأمريكي هوجمت ثمان وخمسون كنيسة، وقُتل ألف وخمسة وعشرون مسيحيا، من بينهم أسقف الموصل. وخلال تلك الفترة نزح معظم المسيحيين إلى لبنان، الأردن، تركيا، وثمة من هاجروا إلى كندا والولايات المتحدة، ولن يعود هؤلاء إلى أرضهم للأسف، وأوضح أن الهجرة تراجعت بسبب الأزمة الصحية ونظرا لإقفال الحدود. |
في الختام أكد بطريرك بابل للكلدان أنه على الرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها العراق والمنطقة بأسرها ستساهم زيارة البابا في استقطاب اهتمام العالم كله نحو مآسي الكنائس الشرقية.